موضوع: غزوة بدر الكبرى الإثنين سبتمبر 07, 2009 1:35 pm
غزوة بدر الكبرى :
نذكر فيه ملخص وقعة بدر الثانية ، و هي الوقعة العظيمة التي فرق الله فيها بين الحق و الباطل و أعز الإسلام ، و دمغ الكفر و أهله ، و ذلك أنه لما كان في رمضان من هذه السنة الثانية بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عيراً مقبلة من الشام صحبة أبي سفيان ، صخر بن حرب ، في ثلاثين أو أربعين رجلاً من قريش و هي عير عظيمة ، تحمل أموالاً جزيلة لقريش ، فندب صلى الله عليه و سلم الناس للخروج إليها ، و أمر من كان ظهره حاضراً بالنهوض ، و لم يحتفل لها احتفالاً كثيراً ، إلا أنه خرج في ثلاثمائة و بضعة عشر رجلاً ، لثمان خلون من رمضان ، و استخلف على المدينة و على الصلاة ابن أم مكتوم ، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر و استعمله على المدينة . و لم يكن معه من الخيل سوى فرس الزبير ، و فرس المقداد بن الأسود الكندي ، و من الإبل سبعون بعيراً يعتقب الرجلان و الثلاثة فأكثر على البعير الواحد ، فرسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي و مرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً ، و زيد بن حارثة و أنسة و أبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم و حمزة يعتقبون جملاً ، وأبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف على جمل آخر .. و هلم جرا . و دفع صلى الله عليه و سلم اللواء إلى مصعب بن عمير ، و الراية الواحدة إلى علي بن أبي طالب ، و الراية الأخرى إلى رجل من الأنصار ، وكانت راية الأنصار بيد سعد بن معاذ ، و جعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة . و سار صلى الله عليه و سلم فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني ، و هو حليف بني ساعدة ، و عدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتحسسان أخبار العير . و أما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و قصده إياه ، فاستأجر ضمضم ابن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد و أصحابه . و بلغ الصريخ أهل مكة ، فنهضوا مسرعين و أوعبوا في الخروج ، ولم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب ، فإنه عوض عنه رجلاً كان له عليه دين ، و حشدوا ممن حولهم من قبائل العرب ، و لم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يخرج معهم منهم أحد . و خرجوا من ديارهم كما قال الله عز و جل : بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله و أقبلوا في تحمل و حنق عظيم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم ، و قد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي و العير التي كانت معه . فجمعهم الله على غير ميعاد لما أراد في ذلك من الحكمة كما قال تعالى ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا . و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خروج قريش استشار أصحابه ، فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا ، ثم استشارهم وهو يريد بما يقول الأنصار ، فبادر سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله ! كأنك تعرض بنا ، فو الله يا رسول الله ، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله . فسر صلى الله عليه و سلم بذلك و قال : سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين . ثم رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم و نزل قريباً من بدر ، و ركب صلى الله عليه و سلم مع رجل من أصحابه مستخبراً ثم انصرف ، فلما أمسى بعث علياً و سعداً و الزبير إلى ماء بدر يلتمسون الخبر ، فقدموا بعبدين لقريش ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي ، فسألهما أصحابه لمن أنتما . ؟ فقالا :نحن سقاة لقريش . فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان و أنه منهم قريب ليفوزوا به ، لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم و استعدادهم لذلك ، فجعلوا يضربونهما ، فإذا آذاهما الضرب قالا : نحن لأبي سفيان . فإذا سكتوا عنهما قالا : نحن لقريش . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلاته قال : والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا و تتركونهما إذا كذبا . ثم قال لهما : أخبراني أين قريش ؟ قالا : وراء هذا الكثيب . قال : كم القوم ؟ قالا : لا علم لنا . فقال : كم ينحرون كل يوم ؟ فقالا : يوماً عشراً ويوماً تسعاً : فقال صلى الله عليه و سلم : القوم ما بين التسعمائة إلى الألف و أما بسبس بن عمرو و عدي بن أبي الزغباء فإنهما وردا ماء بدر فسمعا جارية تقول لصاحبتها : ألا تقضيني ديني ؟ فقالت الأخرى : إنما تقدم العير غداً أو بعد غد فأعمل لهم و أقضيك . فصدقها مجدي بن عمرو . فانطلقا مقبلين لما سمعا ، و يعقبهما أبو سفيان ، فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحداً من أصحاب محمد ؟ فقال : لا إلا أن راكبين نزلا عند تلك الأكمة . فانطلق أبو سفيان إلى مكانهما و أخذ من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى فقال : و الله هذه علائف يثرب ، فعدل بالعير إلى طريق السا حل ، فنجا ، و بعث إلى قريش يعلمهم أنه قد نجا هو و العير و يأمرهم أن يرجعوا . و بلغ ذلك قريشاً ، فأبى أبو جهل و قال : و الله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، ونقيم عليه ثلاثاً ، ونشرب الخمر ، و تضرب على رؤوسنا القيان ، فتهابنا العرب أبداً ، فرجع الأخنس بن شريق بقومه بني زهرة قاطبة ، و قال : إنما خرجتم لتمنعوا عيركم و قد نجت ، و لم يشهد بدراً زهري إلا عما مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله : والد الزهري ، فإنهما شهداها يومئذ و قتلا كافرين . فبادر رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً إلى ماء بدر ، و نزل على أدنى ماء هناك ، فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو : يا رسول الله ، هذا المنزل الذي نزلته أمرك الله به ؟ أو منزل نزلته للحرب و المكيدة ؟ قال : بل منزل نزلته للحرب و المكيدة . فقال : ليس هذا بمنزل ، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من مياه القوم فننزله ، و نعور ما ورائنا من القلب ، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ، فنشرب و لا يشربون . فاستحسن رسول الله صلى الله عليه و سلم منه ذلك ، وحال الله بين قريش و بين الماء بمطر عظيم أرسله ، و كان نقمة على الكفار و نعمة على المسلمين ، مهد لهم ال أرض و لبدها ، و بني لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريش يكون فيه . و مشى صلى الله عليه و سلم في موضع المعركة ، و جعل يريهم مصارع رؤوس القوم واحداً واحداً ، ويقول : هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله ، و هذا مصرع فلان ، و هذا مصرع فلان . قال عبد الله بن مسعود : فو الذي بعثه بالحق ما أخطأ واحد منهم موضعه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم . و بات رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة هناك ، وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان ، فلما أصبح و أقبلت قريش في كتائها ، قال صلى الله عليه و سلم : اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها و خيلائها ، تحادك و تحاد رسولك . و رام الحكيم بن حزام و عتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال ، فأبى ذلك أبو جهل ، و تقاول هو و عتبة ، و أمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه عمرو ، فكشف عن أسته و صرخ : واعمراه ! واعمراه ! فحمي القوم و نشبت الحرب . و عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف ، ثم رجع إلى العريش هو و أبو بكر وحده ، و قام سعد بن معاذ و قوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه و سل م و خرج عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، و الوليد بن عتبة ، ثلاثتهم جميعاً يطلبون البراز ، فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار ، وهم : عوف و معوذ ابنا عفراء ، و عبد الله بن رواحة ، فقالوا لهم : من أنتم ؟ فقالوا : من الأنصار ، فقالوا : أكفاء كرام و إنما نريد بني عمنا ، فبرز لهم علي و عبيدة بن الحارث و حمزة رضي الله عنهم ، فقتل علي الوليد ، و قتل حمزة عتبة ، و قيل : شيبة ، و اختلف عبيدة و قرنه بضر بتين ، فأجهد كل منهما صاحبه ، فكر حمزة و علي فتمما عليه و احتملا عبيدة و قد قطعت رجله ، فلم يزل طمثاً حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى و رضي عنه . و في الصحيح أن علياً رضي الله عنه كان يتأول قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في برازهم يوم بدر ، و لا شك أن هذه الآية في سورة الحج ، و هي مكية ، و وقعة بدر بعد ذلك ، إلا أن برازهم من أول ما دخل في معنى الآية . ثم حمي الوطيس ، و اشتد القتال ، و نزل النصر ، و اجتهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدعاء ، و ابتهل ابتهالاً شديداً ، حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه ، و جعل أبو بكر يصلحه عليه و يقول : يا رسول الله ، بعض مناشدتك ربك ، فإنه م نجز لك ما وعدك . و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فذلك قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ثم أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءةً ، ثم رفع رأسه و هو يقول : أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع . و كان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج ، فأجارهم ، و زين لهم الذهاب إلى ما هم فيه ، و ذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم و أموالهم ، فذلك قوله تعالى : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون و ذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت للقتال ، و رأى ما لا قبل له به ، ففر و قاتلت الملائكة كما أمرها الله ، وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه ، فإذا به قد سقط أمامه .